الجمعة، 16 يوليو 2010
القافية والتافلويت... أوجه التقاطع / محمد الأمين ولد لكويري
الاربعاء 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2009
إن الحديث عن أوجه الائتلاف أو التشابه بين شعرينا (الفصيح والحساني) حديث ذو شجون، لا يدري صاحبه من أين يبدأ ولا أين ينتهي، ولا غرو فإن الإنسان الذي يلقي الشعر الحساني هو إنسان عربي، يتأثر بالثقافة العربية، يعيش في بيئة هي نسخة طبق الأصل من البيئة التي بلغ فيها الشعر الفصيح أشده، ولذلك فإننا نجد أن أكثر ما يستحسنه علماء القوافي في الشعر الفصيح يستحسنه أهل الخبرة في الشعر الحساني في التافلويت، وكل ما يستقبحه أولئك في القافية، يستقبحه هؤلاء في التافلويت، ولأن المقام لا يسمح بالإطالة فإننا سنقتصر على مصطلحين من مصطلحات التافلويت، وهما : الزي وليطا ذاكرين مع كل واحد من هذين مقابله في القافية مع بيان أوجه الائتلاف أو الاختلاف بينهما.
1- الژي بزاي مغلظة عند الشعراء الحسانيين هو ما يسمى عند علماء القوافي بالسناد، ويعد السناد من عيوب القافية، كما يعد الژي من عيوب التافلويت
ومن أنواع السناد في القافية اختلاف حركة الحرف الذي قبل ما قبل الروي، وهو ما يسمى عندهم بالردف كقول الشاعر :
ألم تر أن تغلب أهل عز = = جبال معاقل ما يرتـوينا
شربنا من دماء بني تميم = = بأطراف القنى حتى روينا.
إلا أن شعراء الحسانية لا يرون بأسا باختلاف حركة الردف كقول بعضهم:
كر ؤسين عندك زيـنين = = ؤفاغ والتحرار ؤلكحال
عندك زينين ؤعندك زين = = لبياظ ؤبيگ وعظال.
ومن أنواع السناد في الشعر الفصيح اختلاف حركة الحرف الذي قبل الروي نحو:
تميم ابن مر وأشياعه = = وكندة حولي جميعا صبـر
إذا ركبوا الخيل واستلئموا = = تحرقت الأرض واليوم قر.
وكذلك فإن من أنواع الژي في الشعر الحساني اختلاف حركة الحرف الذي قبل الروي كقول بعضهم :
والله ؤلا نبغ ندحـس = = حد ؤلانبغ نفگع حد
أل نبغ نجبر مجـلـس = = من عيش ما فيه امحمد.
ومن أنواع السناد في الشعر الفصيح أن يدخل الشاعر حرف الردف في قافية، ثم يدعه في مقابلتها كقول الشاعر:
وبالطوف بالأخبار ما اصطحبا به = = وما المرؤ إلا بالتقلب والطوف
فراق حبيب وانتهاء عن الهوى = = فلا تعذليني قد بدا لك ما أخفي.
وهذا النوع قبيح في القافية، مردود في التافلويت، وبالتالي لا يوجد له مثال.
ومن أنواع السناد كذلك أن يعاقب الشاعر الفصيح في الردف بين الواو والياء في القصيدة الواحدة، وهو من الكثرة بحيث لا يحتاج إلى شاهد، وهذا النوع غير جائز في الشعر الحساني.
وكما ان من علماء اللغة من يقول إن العرب تسمي كل عيوب الشعر سنادا، فإن كلمة الژي هي الأخرى عند الشعراء الحسانيين لا تقتصر على اختلاف الحركات فحسب، بل يطلقون هذه الكلمة على أكثر ما يعاب به الشعر الحساني، فمن أنواع الژي عندهم أن يعاقب الشاعر الحساني في ما يعرف عند شعراء الفصحى بالدخيل بين حرفين مختلفين نحو قول بعضهم:
ما گطيت امشيت جاحد = = ذ ال واعد كون
بعد اثر لعدت واعد = = ذ الْمن ممكون.
فحرف الدخيل في جاحد "الحاء" وفي واعد "العين".
ومن أنواع الزي كذلك أن يختم الشاعر الحساني التافلويت بحرف مفخم، ثم يأتي به في مقابلتها مرققا، أو العكس، نحو قول بعضهم:
مذ من حد التج مل = = خاط محمد المام
عطاي الناگ واجمل = = لبيظ لزرگ لحمامِ.
فالميم في "المام" مفخمة وفي "لحمام" مرققة، بل قد يذهب هؤلاء إلى جعل الحرف المرقق والمفخم حرفين مختلفين، وهو ما نجد عند الأديب أحمدو ولد الخالص، حيث يقول من طلعة يمدح بها الشيخ محمد عبد الحي ولد الصبار:
شايط بامسايل فيك اكبار = = عالم واشريف ابلا تشگار
واكريم ؤظريف ؤصبار = = ؤمالك عندك كيف اگشار
الا تعطيه افكل انهار = = للطماع اسو ماه گار
واعل وجهك تگد لنوار = = وابياسر من ش رانك سار
ؤحد اكبير اكحز لك باخبار = = ذاك إتم الا باش اسغار.
فقد جعل هذا الشاعر الحساني روي التافلويت الأولى ومقابلاتها راء مفخمة، بينما كان روي الثانية ومقابلاتها راء مرققة.
أما عن أصل كلمة "الزي" فإن الزاي المغلظة هذه غالبا ما يكون أصلها زاي فصيحة، ومن ذلك: اژرع في الزرع، واژگ في زقا، واژرب في الزرب، وعلى هذا فإنه يمكن أن يكون أصل هذه الكلمة الژي الذي هو في الفصحى بمعنى العدول والصرف، فزوى عنه كذا زيا: عدل به وصرفه، ووجه ذلك هو أن الشاعر الحساني بإدخاله لهذا العيب في مقطعه يكون قد عدل به، وصرفه عن طريقه المستقيم والله أعلم.
2- ليطا وهو الإيطاء وقد نقلوا حركة الهمز إلى اللام فاستغنوا عن همز الوصل وهي قاعدة من قواعد هذه اللهجة، وهي كذلك لغة فصيحة، صحيحة، وبها رواية ورش عن نافع، التي تأثر بها هؤلاء، أما حذف الهمز الأخيرة فهو في الفصحى من الكثرة بحيث لا يحتاج إلى شاهد.
والايطاء في الشعرين الفصيح والحساني هو تكرار الكلمة المشتملة على حرف الروي بلفظها ومعناها، ولا يرى أصحاب الشعر الفصيح باسا في اعادة كلمة الروي بلفظها ومعناها، بعد مرور سبعة أبيات، كما يغتفر عند بعض الشعراء الحسانين تكرار الكلمة المشتملة على حرف الروي بعد مرور سبع تفلواتن، وكما أن الايطاء من عيوب القافية، فكذلك يعد الايطاء من عيوب التافلويت .
ويعلل أصحاب الشعر الفصيح اشتراط مرور سبعة أبيات قبل إعادة كلمة الروي، بان اقل القصيدة سبعة أبيات، فإذا مرت سبعة أبيات كان كأنه من قصيدة أخرى، فلا وجه لاستقباحه.
ولم أجد شعراء الحسانية عللوا إشتراطهم مرور سبع تفلواتن قبل تكرار كلمة الروي، إلا أن هؤلاء ينتفي عندهم الإيطاء بين الطلعة والگاف، فمثلا إذا ختمت تافلويت في طلعة بكلمة، ثم ختمت مقابلة تلك التافلويت في گاف الطلعة بنفس الكلمة لفظا ومعنى في گاف الطلعة فلا يعدون هذا إيطاء، ويعللون ذلك بأن كلا من الطلعة والگاف مقطع مستقل عن الآخر، ومن ذلك قول سيد محمد ولد سيديا:
اگعاد كان اطوال = = عن مولات التحجال
ؤعاد اعل نقض انگال = = عهد بالكلي
ذاك اشكك في الحال = = أهل الدني في
ابلا باس آن بعد = = ما شككن في
ؤلا طمع في حد = = ثان ماه هي.
حيث ختم هذا الشاعر آخر تافلويت في الطلعة بكلمة في، ثم ختم أول مقابلة لها في گاف الطلعة بنفس الكلمة لفظا ومعنى.
وليس من الإيطاء المعيب عند أصحاب الشعر الفصيح إعادة الكلمة للتأكيد، أو للتلذذ، كالتلذذ باسم المحبوب، ولم أجد من بين أهل الشعر الحساني من تكلم في هذا، إلا أني وقفت على گاف يتكون من عشر تفلواتن، يتغزل فيه صاحبه على محبوبة له تدعى "سلم" وقد بنى كل هذا الگاف على اسم هذه المحبوبة، إلا التافلويت الأخيرة، والگاف هو:
الا باعث ل مولان = = ذ النوب من غيد سلم
عاد الديار الى جان = = لا سلم تحجل ل سلم
وامام المسجد لحذان = = لا سلم تحجل ل سلم
وامنين انصل زاد آن = = وانسلم تحجل ل سلم
وامسلم لمر المولان = = لمر المولان يسلم.
علما بأن أصحاب الشعر الفصيح لا يعدون النكرة مع المعرفة إيطاء، بينما لا ينتفي الإيطاء في الشعر الحساني بالنكرة مع المعرفة، وكما أن أصحاب القافية لا يعدون الإسم مع الفعل إيطاء، فقافية – مثلا – على يزيد وهو فعل، وأخرى على يزيد وهو اسم لا تعد إيطاء، فكذلك لا يعد أصحاب التافلويت الإسم مع الفعل إيطاء، فإذا ختمت تافلويت - مثلا – بكلمة " تسلم " وهي فعل، ثم ختمت مقابلتها بكلمة " تسلم " وهي اسم لم تكن أتيت بإيطاء.
ووجه استقباح الإيطاء عند أصحاب التافلويت هو نفس وجه استقباحه عند أصحاب القافية، فهو دال عندهم على قلة مادة الشاعر، ونزارة ما عنده، حتى يضطر إلى إعادة الكلمة المشتملة على حرف الروي بلفظها ومعناها.
ولندرة الإيطاء في الشعر الفصيح، واستهجانه من لدن أصحاب القافية، فقد كانوا إذا رأوا كلمة القافية قد تكررت تحروا لعلهم يجدون لصاحبها مخرجا، كأن يختلف المعنى مثلا، وهو ما حدث مع أبيات القائل:
أما تراني رجلا كما ترى = = أحمل فوقي بزتي كما ترى
على قلوص صعبة كما ترى = = أخاف أن تطرحني كما ترى
فما ترى فيمــا ترى كمـا تـــرى.
فقد تكلف ابن سيده اللغوي المشهور، لهذا الشاعر ثلاث معان لكلمة " ترى " فلما رأى أن الأبيات خمسة حكم بأن تكون إيطاء لا تفاق اللفظ و المعنى.
كما يندر الإيطاء كذلك بمفهومه الصحيح في الشعر الحساني، فلا يمكن أن يحمل على الإيطاء ما قام به امحمد ابن هدار في طلعته المشهورة:
امنيوه بامسيحته = = وكتن هاذ ماه خته
غير الى عادت فگعته = = هي گاع ابلا مسح گاع
وال ما نعرف صيفته = = وال ما نعرف شنه گاع
ؤهذا ليط فالظاهرل = = غير اگبيل احتجت اعل گاع
واحتجت اعل گاع امل = = كيفن گاع احتجت اعل گاع.
بل على العكس تماما فإن ما قام به امحمد هنا إنما هو ابداع منه، لم يسبق إليه حيث أرانا امحمد في هذه الطلعة والگاف أن ما لقي من المسماة امنيوه، جعله في موقف يحتاج فيه إلى تكرار كلمة " گاع " التي احتاج اليها - كما يقول – ثم احتاج إليها أيضا، وأيضا، وهو الشاعر الحساني الموهوب والمقتدر .
ومن الموافقات الغريبة أني وقفت على قطعة للصحابي الجليل، والشاعر، حسان بن ثابت، رضي الله عنه، تتكون من ثلاثة أبيات ،قد بنيت كلها على كلمة " هو "، والقطعة هي:
إذا ما ترعرع فينا الغلام = = فما إن يقال له من هوه
إذا لم يسد قبل شد الإزار = = فذلك فينا الذي لا هوه
ولي صاحب من بني الشيصبان = = فطورا أقول وطورا هوه.
وقد كنت وقفت على طلعة متداولة لأحد شعرائنا الحسانيين، مبنية كلها – هي الأخرى – على كلمة " هو " والطلعة هي:
امنين انجيك اليحصل ل = = نلحگ كهل فم اتصل
واله شيبان متول = = ويسوله ذمن هو
ويگول اله كهل امل = = فمات هاذ من هو
ويگوم الكلب امشوكل ل = = هو هو هو هو
هو من هو گاع ال = = هو وال ماه هو.
تلكم كانت لمحة خاطفة، أوضحنا فيها مدى علاقة التافلويت بالقافية، من حيث الشكل، من خلال كلامنا على مصطلحين هما: الزي وليطا، وأما من حيث المضمون فإن التافلويت اشد ارتباطا بالقافية وأوثق علاقة.
2 مشاركة منتدى
القافية والتافلويت... أوجه التقاطع / محمد الأمين ولد لكويري 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2009 16:15, بقلم براهيم ولد احمد
أديب وابن أديب وقد أفادنا جدا ماكتب ورجاؤنا ان يتواصل هذا المنجاع، فقد اطربتنا وفدتنا فشكرا لك للأديب محمد الأمين.
الرد على هذه المشاركة
القافية والتافلويت... أوجه التقاطع / محمد الأمين ولد لكويري 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2009 16:51
إن العربية الفصحى هي الأصل والحسانية بدونها لا شيء حكما عند المخلصين للغة العربية ومن يعارض العربية الفصحى بشيء آخر من هذه اللهجات مخطئ ومنبع محبة الفصحى ونصرها هو نصر الإسلام والدفاع عنه والفصحى أعمق وأخصب من هذه العامية لكن الجهل بالفصحى يمنع تذوقها عند مووجي العامية الظالمين للغتهم الأصيلة والله تعالى أعلم
الرد على هذه المشاركة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق