الجمعة، 16 يوليو 2010
العرس في بلد المليون شاعر
جدة: منال حميدان
إذا قدر لك تلبية دعوة عرس من بلاد المليون شاعر، وكانت على طريقة «البيضان» أي الموريتانيين المتحدرين من أصول عربية، فلن تستطيع إخفاء دهشتك من طريقة احتفالهم بأعراسهم التي تحمل ملامح العرس في أي بادية عربية، لكنها في الوقت ذاته تحوي عادات وطقوسا تأسرك بغرابتها ولن تجد لها شبيهاً في أي مكان آخر.
وتندر رؤية أي مظاهر للفرح قبل إتمام «العقد» فيما عدا حنة العروس التي توضع على يديها وقدميها من مطلع صباح يوم العرس، على حد قول أم كلثوم بنت المغيث التي تقول: «حتى الخطبة يميل الموريتانيون لكتمانها لحين إتمام العقد ليلة الزفاف، وبمجرد أن يتم يعلن عن العرس بالزغاريد وإيقاع الطبول، لتبدأ ليلة احتفالية طويلة يشارك فيها الجميع باستثناء العروس التي تفرض عليها العادات التزام الصمت وتغطية وجهها للدلالة على حيائها الذي يطالبها المجتمع بتصنعه إن لم تكن تشعر به حقيقة».
وتضيف: يتضمن عقد الزواج شرطين لا تتنازل عنهما المرأة، «لا سابقة ولا لاحقة» أي أنها ترفض رفضاً قاطعاً أن تكون الثانية في حياة الرجل، أو أن تستمر معه بعد زواجه من أخرى، أما الشرط الآخر هو «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» فالمرأة الموريتانية الأصيلة تأبى كرامتها العيش مع رجل يقلل من احترامها أو يهينها بأي شكل كان.
ويفضل الموريتانيون إقامة أعراسهم في خيام تنصب بالبادية، وإن كانت طبيعة الحياة المدنية تدفعهم لإقامتها في صالات الفنادق، إلا أنهم يحرصون على نصب خيمة داخل المكان حفاظا على الطابع البدوي التقليدي. وفي حين يعتبر ثوب الزفاف الأبيض مرادفاً للفرح في الكثير من الدول والملابس السوداء تدل على الحداد، ترتدي العروس في موريتانيا (ملحفة) سوداء، ولا يحمل ارتدؤها للسواد يوم عرسها مغزى معيناً وإنما مجرد الاعتقاد بأن هذا اللون قادر على إبراز جمالها؛ فيما يرتدي الرجل الموريتاني (دراعة) بيضاء ويضع وشاحاً أسود اللون حول عنقه يسمى (حولي).
أما التكاليف المادية للزواج فيسودها نوع من التعاون بين الأسرتين، فالمهر أقله ربع دينار كما تنص الشريعة الإسلامية، وغالباً يترك للرجل حرية تحديد المبلغ الذي يريد دفعه كصداق، خاصة إذا تم التوافق بين الطرفين فإن الأمور المادية تكون ثانوية، وإن كانت بعض السيدات يفاخرن بصداقهن الذي قد يبلغ 100 ناقة، وهو مبلغ كبير.
وتقوم أسرة العروس بتقديم هدية لائقة لعائلة العريس تسمى (الرحيل) وهي عبارة عن صندوق مزين بالنقوش التقليدية مملوء بالهدايا الثمينة والمصوغات الذهبية كالأقراط والخواتم، وكلما كانت عائلة العروس ميسورة وتشعر بالرضا عن الشخص الذي سيناسبها كلما اجتهدت على أن يكون الرحيل أكثر قيمة.
ويعتبر الغناء والرقص ركيزة مهمة في الفرح الموريتاني، ويتم إحياء الزفاف بواسطة المغنين الشعبيين (إيجاون)، فيقومون بتقديم الحفل، وسرد النكات، إلى جانب الرقص والغناء، هناك نوع خاص من الغناء يسمى (التهيدين) ويعني المدح (مدح أصحاب المناسبة)، ومن الطريف أن هذا الغناء لطالما تسبب بمشاكل خطيرة في حياة الزوجين قبل بدايتها، فحرص المغني أو المغنية على البدء بمدح طرف معين، أو الاقتصار على مدح أحد الطرفين، خاصة إذا كان الزوجان من قبيلتين مختلفتين، يتسبب في تحسس الطرف الآخر، ويصل الأمر في بعض الحالات للطلاق في حفلة العرس. وترجع سلمى أبو شامة التنافس الذي يحدث بين القبائل في الأفراح إلى المغنين وتقول: «لعل للمغنيين يدا في إذكاء روح التنافس بين القبائل بمدحها في الأعراس، وفق خطة مدروسة لتحصيل المكاسب، حيث يقوم كل فرد من القبيلة الممدوحة بما يسمى (الزرق) وهو إلقاء الأوراق النقدية على المغني، ومن العادات أن يقوم أصدقاء العريس بـ (الزرق)، وفي بعض الحالات تحضر كل من أسرة العريس والعروسة مغنيا خاصا بهما».
وأبرز الرقصات التي تؤدى في العرس «رقصة الدبوس أو العصي»، وهي ملمح أساسي في العرس التقليدي، ويؤديها الرجال بحركات متناسقة ترسم لوحة متآلفة مع رمال الصحراء.
أما الحوصة أو فداء العروس طقس آخر أشبه باللعبة، تقول فاطمة بنت زين: تأخذ إحدى صديقات العروس خاتمها أو سوارها، وتطالب بفداء له، وحينها يقوم العريس بإعطائها مبلغا ماليا كفداء للخاتم، وربما كانت صاحبة الحوصة صديقة للعروس ترغب بالزواج، فتقوم المغنية بأخذ مصاغها وتطلب من الحاضرين دفع الفداء، فيقوم الشخص
الراغب بالزواج منها بدفعه، وفي حال إذا كان الراغبون كثرا تعطى المصاغ للشخص الذي يدفع أكثر، ويقوم بإرجاعه لصاحبته.
و«الترواغ» عادة موريتانية شائعة تراجعت اخيرا، يراها البعض خفيفة الظل، لكن العريس بدون شك يراها سمجة جداً، وتصف فاطمة الشيخاني هذه العادة فتقول: تقوم صديقات العروس بمساعدتها على عمل المقلب فتختبئ العروس في بيت أحد أقربائها، وتحل مكانها إحدى صديقاتها فترتدي ثياب العرس السوداء التي تغطي وجهها، وربما أسندت المهمة لأحد الصبيان، ولضمان سير الخطة تقوم الصديقات بإبعاد الأم التي لن تسمح بمثل هذا المقلب، وفي النهاية يفاجأ العريس بعد «الترواح» بأن التي أو الذي يجلس بجواره ليس العروس!!.
وتضيف: يقوم أصدقاء العريس بمساعدته على البحث عن عروسه المختبئة، وعلى الزوج إما تقبل المزحة بصدر رحب، أو التصعيد فتكون مشكلة وعقبة في بداية حياة الزوجين.
الشرق الأوسط..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق