الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

جدلية مارسة الطائفية


جدلية ممارسـة الطائفية

د. علي محمد فخرو (*)

المقالات التي لا تصدر عن المنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي المنتدى




القرآن وتحديات العصر
آفاق المشروع الشيعي
المؤمن المتمدن
حوارات
تقارير
أنشطة وبرامج









لقد جاء النبي عيسى عليه السلام برسالة واحدة لكنها ما لبثت ان تحولت الى رسالات تحمل كل واحدة منها مجموعة من البشر. هكذا ولدت المذاهب الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية وغيرها، وهذه بدورها انقسمت الى مذاهب فرعية متعددة. وتنطبق الظاهرة نفسها على رسالة النبي موسى عليه السلام وأديان غير سماوية من مثل البوذية والهندوكية.
ولم تسلم آخر الرسالات السماوية من المصير نفسه. فانبثقت من الدين الاسلامي الواحد شتى المذاهب المعروفة، وهي في الأساس مبنية على اختلافات بشرية في قراءة النص الأصلي وفي ممارسة أساليب تطبيق النص في الواقع. وجود المذاهب والمدارس الفكرية الدينية أمر مقبول، بل مطلوب، وبالتالي لا يعني وجود الطائفية، فالطائفية لا تنبني على الاختلاف في الرأي وانما تنبني على التعصب المبتذل للرأي. انها ترفض التعايش مع الآخر وتهدف الى إقصائه أو تهميشه وهي لا تقبل المشاركة العادلة وإنما تمارس الاستحواذ على كل شيء.
إذاً هي قضية سياسية ــ اجتماعية بالدرجة الأولى وبالتالي تحتاج إلى أن ينظر اليها من هذا المنطلق. في اعتقادي أن الطائفية، بالمفهوم السابق، لا توجد إلا في ظل الظروف المجتمعية التالية:
أولا: ممارسة الظلم والتمييز ضد جماعة معينة بسبب انتماء أفرادها لمذهب ديني معين أو مدرسة فكرية معينة. قد يكون هذا التمييز في حق ممارسة الشعائر أو في الحقوق الاقتصادية ــ الاجتماعية أو في التهميش السياسي أو في الاقصاء الثقافي. وتكون المشاعر الطائفية هنا عبارة عن رد فعل المظلوم تجاه الظالم وعن احتماء الفرد بجماعته الفرعية «طائفته» لمقاومة ظلم تمارسه الدولة أو يمارسه المجتمع.
ثانيا: لكن النقطة الأولى لا تجنح إلى التطرف الشديد والعنف إلا بتوافر تجاهل الطوائف الأخرى غير المظلومة لمعاناة الطائفة المظلومة، إذ لا ينتقل ألم المعاناة إلى مرحلة التدمير والعنف العدمي عند أفراد الطائفة المظلومة إلا إذا وقفت الطوائف الأخرى متفرجة دون إبداء التعاطف وبذل الجهد لرفع المعاناة عن المظلومين.
إن موقف الطوائف الأخرى غير المظلومة، في معادلة السلطات التي تعتمد في بقائها على ممارسة فرّق ــ تسد الشهيرة، يكون حلقة مفصلية بالغة الأهمية في سلسلة الطائفية. إن طبيعة ذاك الموقف سيقود إما إلى تأجيج الطائفية عندما يكون غير مبالٍ وغير معني وإما إلى تخفيفها عندما يكون متعاطفا ومهموما ومساندا.
ثالثا: إن ما سينفي وجود المشهد الأول المتمثل في وجود طائفة مظلومة وينفي الحاجة إلى المشهد الثاني المتمثل في وجود طوائف متعاطفة هو قيام الحياة السياسية على مبادىء وممارسات الديمقراطية. بوجود ديمقراطية عادلة سينتقل المجتمع إلى مبدأ المواطنة التي تحكم ممارستها القوانين المطبقة على الجميع والمساوية للجميع في الحقوق والواجبات.
من هنا فان الطريق الأقصر ليس التفنن في اطفاء حرائق الطائفية التي لا تلبث بعد حين حتى تلتهب من جديد وإنما هو الطريق المستقيم المجرّب، طريق الانتقال إلى الديمقراطية السياسية والاقتصادية العادلة.
رابعا: في المدة الأخيرة دخل عامل رابع يؤجج الطائفية في كل مجتمعات العرب ويضيف الحطب إلى كل نيرانها.
انه العامل الخارجي متمثلا في الأساس في تنفيذ المخطط الصهيوني القديم القائم على تفتيت مجتمعات الأمة العربية وتجزئتها. لكن أهمية هذا العامل ازدادت كثيرا بدخول الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحلبة كلاعب يستعمل كل مكونات الطائفية في لعبة السيطرة التامة على ثروات وشعوب وحكومات الوطن العربي.
في بلاد العرب تنخر الطائفية عظام كل مجتمعاتها. فتش عن الأسباب وستجد أنها واحدة أو أكثر من بين أربعة: طائفة مظلومة، طوائف أخرى محظوظة ولا مبالية، غياب للمواطنة الديمقراطية، مؤامرات من الخارج.
ولن تجدي مع الطائفية عواطف المجاملات السطحية وحملات العلاقات العامة، ولا الولائم المتبادلة المضحكة التي يقيمها رموز الطوائف لبعضهم بعضا، وإنما باعتبارها قضية سياسية ــ اجتماعية تنتهي بانتهاء أسبابها.
--------------------------------
(*) رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق